تخبره بأنها كانت تنتظر قدومه بالفعل …
-أطلبي البوليس يا آنسة مايا ! .. غمغم “مراد” من بين أسنانه و لم يحيد عن “راجية” لحظةٍ واحدة
مشى ناحيتها ببطءٍ و هو يردف بوعيد :
-أطلبيه بسرعة. عشان ياخدنا كلنا و هناك أحرر محضر في والدتك المصونة أتهمها فيه بقتل إيمان. مراتي. بنت أخوها. و مش كده و بس. كمان في تهمة استغلال طفلة في جريمة بشعة زي دي.. أطلبيه يا آنسة مايا !
انتفضت “مايا” مع نطقه بالكلمة الخيرة بكل هذا العنف، و لا تعلم لماذا خرس لسانها، فقط بقيت عند أعتاب الغرفة تراقب ما يحدث و الصدمة تبدو جلية على ملامحها و تصلّب جسدها، و كأنها لم تعرف بجريرة أمها إلا الآن، و كأنها لا تصدق عودة أمها لتلك الظلمات و المستنقعات القذرة …
-إديني سبب واحد يمنعني عن آذيتك. دلوقتي حالًا ! .. هس “مراد” و هو يحني جزعه ليكون وجهه بمستوى وجهها
حدقت “راجية” بعينيه الحمراوين و قالت بشماتة :
-أعمل إللي تعمله. أنا من بعد سيف ابني و مافيش حاجة تفرق لي. و أكتر حاجة تبسطني إني أموت و أنا واخدة بتاره. إيمان مش هاتشوف ساعة واحدة هنا من بعدي أنا و ابني. و عذابها ابتدا من الليلة دي لآخر يوم في عمرها …
كوّر “مراد” قبضته و رفعها عاجزًا عن تفريغ غضبه على امرأة مسنّة مثلها، كبح نفسه بصعوبةٍ و هو يشد على فكيّه، هدأ
أعصابه بأعجوبة و تريث لحظاتٍ، ثم قال و شبح ابتسامة ماكرة تلوح على شفتيه :
-لسا عندك بنت و دكر. صحيح هو فين.. مش سافر دبي بردو ؟ أنا حبايبي كلهم هناك عنده !
اختفى أيّ مظهر من مظاهر العبث على وجهها عندما قال ذلك، و كأنها لم تفكر جيدًا قبل أن تقدم على ما فعلت، لم تفكر بابنها و ابنتها الباقيان، لم تفكر بأنهما لا يزالا على قيد الحياة …