“كان ثمن الهجرة منكِ غربةٌ و مذلّة ؛ و كأنّي أسير حرب مُهان، الآن و قد عدتُ إلى وطني.. لا آبه إن تشردت أو تسوّلت.. أو حتى أُعتُقلت!”
_ مراد أبو المجد
تلبّدت السماء بالغيوم فجأة، في غضون دقائق منذ أن ألقى بزوجته التي طلّقها بقصر عائلتها الفاخر، كان الطقس مُكفهّر مثل
مزاجه، بل مثله هو تمامًا …
انطلق بسيارته البوجاتي السوداء لا يلوي على أيّ وجهة، هبّ نسيم البحر المنعش و
بدأت تسقط قطرات المطر الأولى، أغلق سقف السيارة و حلّ الظلام التام بولوجه إلى ذلك النفق المعتم الطويل.. لتتكالب عليه الذكريات دفعةً واحدة.. خلاصة ثلاثة أعوام من حياته قضاهم هائمًا بحب “هالة رفعت البحيري”.. ابنة عم صديق عمره و أخيه الذي لم تنجبه أمه… كيف يُعقل !؟
كيف أمكنه أن يخونه.. لو أن ما يظنّه صحيحًا.. هل كان يبادلها “عثمان” نفس المشاعر ؟ لو كانت بينهما علاقة فيمَ مضى.. إلى أيّ مدى وصلت بهما ؟ و حتى لو كانت علاقة حب من طرفٍ واحد و أن صاحبه بريئ… كيف تركه يتزوج بها و هو يعلم بأنها تحبه هو ؟
لقد أكدت له “هالة” بلسانها بأن “عثمان” يعلم بحبها.. إذن كيف.. كيف يفعل هذا بأخيه !!؟
خرج من النفق أخيرًا و غمرته الأجواء الكئيبة الشتوية ثانيةً، كان المطر قد اشتد، و قد شعر برغبة مُلحة بالوقوف هناك بالقرب من البحر، لم يفكر طويلًا و ركن سيارته عند رصيف مقفر، و نزل متجهًا نحو الصخور الغائرة في الموج الثائر
و كان قد تبلّل كليًا حتى قبل أن يقترب إلى هذا الحد، وقف في مواجهة الأمواج العاتية، يحدق في الفراغ اللانهائي، لا يوجد على امتداد البصر سوى السماء الرمادية و البحر الأزرق الزبدي …
وقف يتأمل تقلّبات الطقس لهنيهةً، يقارنها بمَ يعتمل بدواخله الآن، دس يده بجيب معطفه حين شعر باهتزاز هاتفه، كان واثق حتى قبل أن يلقي نظرة إلى الشاشة… إنها أمه.. السيدة “رباب” التي تخابره.. حتمًا وصلتها الأخبار ؛
و لم يشأ أن يقلقها، هي بالذات، ففتح الخط و أجاب :