جلست الصغيرة بين أحضان جدتها، تعتريها رجفة خوف من حينٍ لآخر، و هي ترى على مقربة من سرير الجدة، تلك السيدة المسنّة ذات العباءة السوداء، تجلس فوق الأرض، تفترش بعض الأغراض غريبة الشكل
من ضمنهم قطعة من ملابس “إيمان” الداخلية، و ربما تلك عظمة، لا هي عظمة صغيرة، تشبه إلى حد كبير عظام الإنسان !!!
و المنتصف صحن من الخشب، تطحن في أوراق عشبية و تحرّك شفتاها بأشياء غير مسموعة، أمسكت اللباس الداخلي و
مزّقته إلى نصفين، وضعته داخل الصحن و سحبت مطرقة صغيرة، ثم إنهالت فوق العظمة تكسيرًا حتى صار فتاتها ناعمًا كالتراب، لملمته و نثرته بالصحن، ثم سكبت سائلٍ ما، و أشعلت كل هذا بالنيران، أمام نظرات “لمى” المذعورة
تشبثت بأحضان جدتها أكثر، و هي لا تزال ترى السيدة تواصل فعلتها، حتى خمد الحريق الصغير، جمدت الدماء بعروق الصغيرة ما إن رفعت تلك السيدة رأسها و نظرت صوبها، و علا صوتها المتحشرج مخاطبًا الجدة :
-دور مايخرّش الماية. مظبوط ظبط المرة دي.. هاتي البت يا راجية
ارتعدت “لمى” عندما سمعت الكلمة الأخيرة، إنها تريدها.. لماذا !؟؟؟
-لأ يا تيتة ! .. غمغمت “لمى” بصوتٍ باكي :
-أنا مش عايزة !!
جاء صوت السيدة صارمًا :
-لو ماحصلتش الخطوة دي يبقى انسي كل إللي عملناه منغير فايدة.. لازمًا وصلة بين الماضي و الحاضر. و إلا مش هايتلاقى. حفيدتك بيمشي دم ابنك في جسمها. قطرة واحدة من دمها كفاية !
تجعّد وجه “راجية” بقساوةٍ و هي تنظر بعينيّ رفيقة السوء تلك، المرأة التي استعانت بها على مدار سنين عمرها لقضاء كل الأمور المحرّمة و الشعوذة التي خرّبت بها حياتها و حياة الآخرين.. أحاطت حفيدتها بذراعيها و هي تخاطب الأخيرة في نفس
الوقت :
-انتي متأكدة المرة دي.. محدش هايعرف ينقذها. و لا حتى أدهم أخوها !
علت زاوية فم السيدة و هي تجاوبها و الثقة ملء صدرها :
-لو اجتمعت سحرة فرعون نفسه. مش هايعرفوا يفكوا إللي إتعمل. دي سكة مالهاش غير طريق واحد. و إللي بيخرج منها بالموت !!