*****
يعلم أنه بالغ في معاقبتها و هجرها، يدرك تمامًا أن قسوته شديدة لأول مرة عليها، كم يوم و هو ينأى بنفسه عنها !؟
لقد مر اسبوعًا بالفعل، كل يوم يراها تذبل أكثر عن اليوم الذي يسبقه، تمارس يومها بآلية، بين تلبية احتياجات أطفالها و واجبها تجاهه الذي حصره بتناول وجبة الغداء فقط معها و مع أطفاله، أما وجبة العشاء فكان يتناولها برفقة أمه ؛
كلما كانت تحاول الاقتراب منه كان يبتعد فورًا معرضًا عنها، كان يسمعها تبكي من وراء باب الغرفة كل ليلة، و لكنه وضع على قلبه حجرًا ثقيلًا ليمضي في هذا التأديب العسير الذي يلزمها، رغم أنه كان على وشك أن يضعف أمامها مراتٍ كثيرة، في كل مرة كان يذكر نفسه بما قالته له من كلماتٍ تجريحية تقلل من قيمته، يعرف بأنه سوف يُصالحها، و لكن ليس بهذه السرعة …
لولا ما حصل اليوم، بلغ منها الضعف بسبب قلة الغذاء مبلغًا، حتى أنها كاد أن يغشى عليها، راقب هو ذلك بقلبٍ واجف أثناء
مروره من أمام المطبخ، ظل واقفًا هناك يخشى عليها من السقوط أو أن تؤذى بأيّ شكل
لم يكف عن المراقبة إلا عندما تركت كل شيء و ذهبت إلى غرفة النوم لتنال قسطًا من الراحة، بقي في تأهبٍ بالصالة، عينه على الرواق يبنتظر يقظتها، حتى قامت بالفعل مُلبيّة نداء أحد الصغار، فأمسك “أدهم” بهاتفه و أرسل في طلب أمه بشكلٍ عاجل
دقائق و كان الجرس يدق، قام ليفتح و همس لأمه :
-أمي شوفيها بس منغير ما تقولي إني ناديتك. و بالله عليكي خليكي وراها لحد ما تاكل. أنا ماشوفتهاش كلت أي حاجة إنهاردة !
طمأنته “أمينة” محاكية نبرته الخافتة :
-ماتقلقش يا حبيبي. أنا هاتصرف معاها. بس بعدين لينا قاعدة أنا و انت و تفهمني إيه إللي حصل بينكوا بالظبط. ماشي ؟
أومأ له مستعجلًا :
-حاضر يا أمي حاضر. ادخلي بس الأول و شوفيها !!
ولجت “أمينة” مسرعة تحت إلحاحه، و هتفت منادية على ابنة أخيها بلهجةٍ طبيعية، حضرت “سلاف” في غضون لحظات،